قصي بن كلاب
قصي بن كلاب وهو الجد الرابع لرسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، والملقب بمُجَمِّع، وصلت إليه زعامة مكة بعدما قام بإخراج قيبلة خزاعة منها، وقد تولى عدّة أمور في مكة منها: السقاية، والرفادة، واللواء، والندوة، وقام بعدّة أعمال منها: حفر الآبار من أجل إيصال الماء إلى مكة المكرمة، واطعام زوار بيت الله الحرام، وتأسيس دار الندوة، وتأسيس المشعر الحرام، وأعادة بناء الكعبة.
كانت له منزلة عظيمة عند قومه في حياته، وبعد وفاته، حيث كانوا يرون أمره كالدين المتبع، يعملون به ولا يخالفونه، وكان يفوق قومه ورجال عصره، في درايته وصدقه، وكرمه وعفته، ولم تذكر المصادر التاريخية تاريخ ولادته ووفاته، ولكنها ذكرت أنه دفن في مقبرة الحجون.
اسمه ونسبه ولقبه
اسمه: قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.[١]
أمه: فاطمة بنت سعد بن سيل من بني الْجَدَرَةِ من قبيلة أزد اليمنية، ولديه أخ واحدة وهو زُهرة، وأخت واحدة وهي نُعْمُ.[٢]
لقبه: (قريش) وذلك لأنه هو الذي جمع قومه،[٣] وكذلك (مُجَمِّع) لأنه جمع قبائل «قريش» وأنزلها مكة.[٤]
عنت
شجرة النبي محمد (ص)
سبب تسميته قصي
ذكر أكثر المؤرخين إن اسم قصي الأصلي هو زيد،[٥] وسبب تسميته قصي؛ ذلك لما مات كلاب تزوجة أمه من ربيعة بن حرام العذري، فخرج بها إلى بلاد قومه في الشام، فحملت قصي معها، وكان اسمه زيدا، فلما بعد من دار قومه سمته قصيا (أي البعيد عن قومه)، فلما شب قصي، وهو في حجر ربيعة، قال له رجل من بني عذرة: الحق بقومك، فإنك لست منا! فقال: ممن أنا؟ فقال: سل أمك! فسألها، فقالت: أنت أكرم منه نفسا، وولدا، ونسبا! أنت ابن كلاب بن مرة، وقومك آل الله، وفي حرمه. فكره قصي الغربة، وأحب أن يخرج إلى قومه، فقالت له أمه: لا تعجل حتى يدخل الشهر الحرام، فتخرج في حجاج قضاعة فإني أخاف عليك! فلما دخل الشهر الحرام صحبهم حتى قدم مكة.[٦]
أولاده
تزوج قصي بن كلاب من حُبي بنت حُليل بن حَبشية بن سلول بن عمرو الخزاعية، وولدت له:
عبد مناف بن قصي.
عبد الدار بن قصي.
عبد العزى بن قصي.
عبد بن قصي.
برة بنت قصي.
تخمر بنت قصي.[٧]
الحرب مع قبيلة خزاعة
حينما رجع قصي إلى مكة وأقام فيها، تقدم بطلب الزواج من حُبّى بنت حُليل بن حبيشة بن سلول بن عمرو الخزاعي، آخر من توالى شؤون الكعبة وأمر مكة من قبيلة خزاعة، فعرف حُليل نسبه فزوجه ابنته.[٨]
فلما حضرت حُليل الوفاة نظر إلى قُصي، وإلى ما ولد إليه من أولاد من ابنته، فرأى أن يجعلها في ولد ابنته،[٩] فدعا قصياً، فجعل له ولاية البيت الحرام، وأعطاه مفتاح الكعبة، وبعد موت حُليل أخذوا خزاعة المفتاح من حُبى لأنه كان معها، فذهب قُصي إلى رجال من قومه من قريش وبني كنانة، فدعاهم إلى نصرته فأجابوه، وأرسل إلى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة يدعوه إلى نصرته، ويخبره بما فعلته خزاعة وأبعاده عن ولاية بيت الله، فقدم إليه رازح مع قومه وإخوته، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وفي نهاية الأمر أنتصر قصي بن كلاب عليهم ورجع الأمر إليه.[١٠]
نقلت بعض المصادر التاريخية أن قيصر الروم أعان قصي في حربه مع خزاعة،[١١] وفي نقل آخر، أنّ بعد موت حُليل وصلت الرئاسة إلى ابنه أبو غبشان المحترش، وتنازل عن منصبه لقصي مقابل ناقة ناجية (أي سريعة).[١٢]
مسؤولياته في مكة
تولى قصي بن كلاب عدّة أمور في مكة المكرمة، وهي عبارة عن:
السقاية: وهي توفير المياه للحجاج عند زيارتهم للكعبة.
الرفادة: وهي تقديم الطعام للفقراء من الحجاج، وقد ألزم قصى نفسه بذلك، وكانت قبيلته تساعده.
اللواء: وهي عبارة عن راية الحرب التي كانوا يرفعونها فوق رمح عند إعلان الحرب على قبيلة أخرى.
الحجابة: وهي سدانة الكعبة وخدمتها وتولى مفاتيحها.
الندوة: وهي رئاسة الجلسات في دار الندوة التي أسسها قصی بن کلاب.[١٣]
أعماله
عندما وصلت إلى قصي زعامة مكة قام بعدّة أعمال، وهي عبارة عن:
حفر الآبار من أجل إيصال الماء إلى مكة المكرمة: قام قصيّ من أجل تأمين الماء لأهل مكة والحجاج بإقامة حياض من أدمٍ (من جلد) ينقل إليها الماء من بئر ميمون وغيرها خارج مكة؛ وذلك ليسقي فيها من في مكة ومنى وعرفة،[١٤] وقام بحفر أول بئر في مكة وأطلق عليها العجول، والتي تقع في دار أم هانئ بنت أبي طالب ومن ثم أصبحت جزء من المسجد الحرام، فكان الحجاج الذين يأتون إلى مكة يستقون منها،[١٥] وفي قول أنه حفر بئر خم وبذر.[١٦]
اطعام زوار بيت الله الحرام: كان قصي يقوم باطعام زوار بيت الله الحرام؛ وذلك لأعتقاده أن الحجاج هم ضيوف الله وقريش، وكان يحث قومه على ذلك ويقول لهم: يامعشر قريش إنكم جيران الله وأهل الحرم، وإن الحجاج ضيوف الله، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاماً وشراباً أيام الحج ففعلوا ذلك،[١٧]
أعزاز قريش في مكة: قريش قبل المجيء إلى مكة، كانوا يعيشون في الجبال والوديان التي حول مكة، فحينما أصبح قصي زعيماً لمكة قسم مكة المكرمة إلى أربعة أجزاء، وأعطاء كل قسم لمجموعة من قريش، وطلب منهم أن يبنوا بيوتهم في أطراف الكعبة، وهو أول من جمعهم تحت راية واحدة.[١٨]
تأسيس دار الندوة: قام قصي ببناء دار له في مكة المكرمة وجعلها داراً للشورى سميت بدار الندوة، وقد كان الهدف من إنشائها أن تكون داراً للتشاور بين القرشيين في أمورهم العامة، وقد جعل باب دار الندوة إلى جانب الكعبة، ولم يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصي إلا من بلغ الأربعين سنة للمشورة.[١٩]
تأسيس المشعر الحرام: بني قصي المشعر بلمزدلفة، فكان يوقد عليه ليهتدي به من يقف بعرفات إذا انصرفوا إلى مزدلفة من عرفات. فجعله الله في الإسلام مشعرا وأمر بالوقوف عنده والدعاء.[٢٠]
أعادة بناء الكعبة: قصي أول من أعاد بناء الكعبة بعد بناء نبي الله إبراهيم (ع)، ورفع سقفها،[٢١] وكان طول جدرانها 9 أذرع، فجعله 18 ذراعا، وجعل سقفها من خشب الدوم و جريد النخل.[٢٢]
منزلته وخصائصه
كانت له منزلة عظيمة عند قومه في حياته، وبعد وفاته، حيث كانوا يرون أمره كالدين المتبع، يعملون به ولا يخالفونه،[٢٣] وحتى بعد وفاة قصي وظهور الإسلام ومخالفة المشركين رسول الله (ص)، فقد قيل أنهم طلبوا من رسول الله أن يدعو الله فيحيي لهم قصي؛ وذلك ليشاوروه في صحة النبوة والبعث، حيث كان كبيرهم ومشاورهم في النوازل.[٢٤]
كان قصي يفوق قومه ورجال عصره، في درايته وصدقه وكرمه وعفته،[٢٥] وباعتقاد الشيعة الإثنا عشرية أن كل أباء وأجداد رسول الله (ص) كانوا مؤمنين موحدين.[٢٦] حيث كان يؤمن بالله الواحد الأحد، وينهى عن عبادة الأصنام من دون الله.[٢٧]
وذكرت بعض المصادر التاريخية أنه كان يتكلم بالحكمة والموعظة، فقال لبنيه يوصيهم: من عظم لئيما شاركه في لؤمه، ومن استحسن مستقبحا شركه فيه، ومن لم تصلحه كرامتكم، فدلوه بهوانه، فالدواء يحسم الداء.[٢٨]
وكذلك أوصاهم فقال: يا بني إنكم أصبحتم من قومكم موضع الخَرَزَةِ من القِلادة، يا بني فأكرموا أنفسكم تُكْرمكم قومُكم، ولا تَبْغُوا عليهم فتبوروا، وإيَّاكم والغَدْر فإنه حُوَب عند الله عظيم وعارٌ في الدنيا لازمٌ مقيم، وإياكم وشُرْبَ الخمر فإنها إن أصلَحَتْ بدَناً أفسدَتْ ذِهْناً.[٢٩]
وفاته
توفي قصي بن كلاب في مكة ودفن في مقبرة الحجون، ــ وهي أول مقبرة في مكةــ [٣٠] فكانوا يزورون قبره ويعظمونه، وبعده بدأوا بدفن موتاهم في نفس المقبرة.[٣١]
الهوامش
1. ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 109 ــ 110.
2. ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 104 ــ 105؛ السبحاني، سيد المرسلين، ص 147.
3. ابن الجوزي، المنتظم، ج 2، ص 230.
4. ابن قتيبة، المعارف، ص 117، 641؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج 2، ص 22؛ السمعاني، الأنساب، ج 10، ص 399.
5. ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 67؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 237؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج 2، ص 254.
6. ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 67؛ الأزرقي، أخبار مكة، ج 1، ص 104 ــ 105.
7. ابن الكلبي، جمهرة النسب، ص 26؛ ابن هشام، ج 1، ص 105 ــ 106؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 57 ــ 59؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 239.
8. ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 117 ــ 120؛ الأزرقي، أخبار مكة، ج 1، ص 105.
9. ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 123.
10. ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 123 ــ 131؛ الأزرقي، أخبار مكة، ج 1، ص 105 ــ 107؛ السهيلي، الروض الأنف، ج 2، ص 28 ــ 33 و45 ــ 46.
11. ابن قتيبة، المعارف، ص 640 ــ 641.
12. البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 49؛ المسعودي، مروج الذهب، ج 2، ص 175.
13. ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 131 ــ 132؛ البغدادي، المحبرة، ص 164 ــ 165.
14. ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 73؛ الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، ج 1، ص 275.
15. الفاكهي، أخبار مكة، ج 2، ص 173؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 51؛ الحموي، معجم البلدان، ج 4، ص 88؛ ابن ضياء، تاریخ مکة المشرفة، ص 67.
16. الفاكهي، أخبار مكة، ج 4، ص 98 ــ 99؛ ابن ضياء، تاريخ مكة المشرفة، ص 67.
17. ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 72 ــ 73؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 58.
18. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 240.
19. ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 132؛ الأزرقي، أخبار مكة، ج 1، ص 109؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 52؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج 2، ص 207.
20. ابن حبيب، المحبر، ص 236 و319؛ ابن عبد ربه، العقد الفريد، ج 3، ص 266.
21. ابن دريد، الأشتقاق، ص 155؛ الطبراني، الأوائل، ص 63.
22. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 240.
23. ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 70؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 240؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 52.
24. الطبرسي، مجمع البيان، ج 9، ص 85؛ أبو حيّان الأندلسي، البحر المحيط، ج 9، ص 405.
25. البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 49.
26. المفيد، تصحيح اعتقادات الإمامية، ص 139؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 12، ص 49، وج 15، ص 117
27. الشهرستاني، الملل والنحل، ج 2، ص 598.
28. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 241.
29. السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، ج 1، ص 129.
30. الحموي، معجم البلدان، ج 2، ص 225.
31. الفاكهي، أخبار مكة، ج 4، ص 58 ــ 59؛ اليعقوبي، تاريخ مكة، ج 1، ص 52.