من أسرار الحجّ في تهذيب النفوس بقلم آیة الله السید عادل العلوي

من أسرار الحجّ في تهذيب النفوس بقلم آیة الله السید عادل العلوي
ان من أقدس وأعظم رسالة الأنبياء طرّاً، وشريعة سيّد المرسلين محمّد المصطفى خاصّة ، هو تزكية النفوس وتربيتها، وتعليم الناس الكتاب والحكمة ، وليقموا الميزان بالقسط والعدل والاحسان .
فمن أُسس الاسلام وروحه وجوهريته هي الأخلاق «إنّما بعثت لاُتمّم مكارم الأخلاق » حتّى قيل : إن الإسلام دين الاخلاق ، وهذا الهدف الإلهي والنبوي في تربية الانسان وتزكيته يتجلّى أكثر فأكثر في الحجّ ومناسكه وآدابه المعنويّة ، فإن الحجّ مدرسة تربويّة ومحطّات إيمانيّة وتقوائيّة يسودها الأخلاق الإلهيّة والنبويّة والولويّة ، ودروس في الاخلاق النظرية والعملية .
من أبلغ وصايا الامام الصادق للحاج قوله : «اذا أردت الحجّ فجرّد قلبک لله تعالى من كلّ شاغل وحجاب كلّ حاجب » فمن أراد أن يصل إلى ربّه قابقوسين أو أدنى ، ينال ذلک في سلوكه مسالک الفضائل والمكارم في الأفعال والصفات ، وجعل الله العبادات على أشكال مختلفة ، ربما من حكمته أن كلّ شكل يطرد رذيلة من الرذائل ، ويوجب التحلّى بواحدة من الفضائل ، والحجّ جامع الجمع في كسب الفضائل والمحامد.
إنّالحجّ ليعلّم الحاج والحاجة كيفيكونان مع أنفسهما ومعربهما ومع المجتمع الصغير (الاسرة) والكبير عامة الناس من الجيران والأقرباء والأصدقاء وغيرهم .
إنّ الحجّ ليعطى روح التضحية والفداء وخدمة الناس والعطوفة والشفقة والمحبّة والمودّة والاحترام المتبادل ، والسخاء وحسن البشر والأخلاق والانفاق والاحسان والتواضع واللين ، وتحمّل الأذى والزهد والحريّة من التعلّقات الدنيويّة والتخلّص من الانانيّة ، وغيرها الكثير كلّ هذا من بركات (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا آسْمَ آللهَ) لساناً وقلباً، جسداً وروحاً.
قال الامام الرضا 7 بعد بيان مجموعة من حكم الحجّ وفلسفته : «وما في ذلک لجميع الخلق من المنافع والرغبة والرهبة إلى الله سبحانه وتعالى )
والحجّ المبرور ما كان مقترناً بحسن الأخلاق وحسن الصحبة لمن صحبه .
وقال (ع): «إنّ علّة الحجّ الوفادة إلى الله... وما فيه من الخضوع والإستكانة والذلّ » «والخروج من كلّ ما إقترف » «وحظرها عن الشهوات واللذّات » «ومنه ترک قساوة القلب وخساسة الأنفس ونسيان الذكر وانقطاع الرجاء والأمل ... وحظر الأنفس عن الفساد» «وعند ما حلقت انک نويت انک تطهّرت من الأدناس وخرجت من الذنوب كما ولدتک اُمُّک »[4] .
(علة الحجّ الوفادة إلى الله... وليكون تائباً ممّا مضى مستأنفاً لما يستقبل ) فمن أسرار الحجّ الاخلاقيّة التوبة والرجوع إلى الله سبحانه والاستغفار من الذنوب والقبائح ما ظهر منها وما بطن .
وسيّد الأخلاق التقوى ، وإنّ الله في آيات الحجّ أمر عباده أن يتزودوا بالتقوى (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ آلزَّادِ آلتَّقْوَى ) فالتقوى والورع روح الحجّ ، بل روح كلّالعبادات والطقوس الدينيّة (لَن يَنَالَ آللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلكِن يَنَالُهُ آلتَّقْوَى ).
قال الامام الصادق (ع) : «إذا أحرمت فعليک بتقوى الله وذكر الله كثيراً»
(فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا آللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (وَآذْكُرُوا آللهَ فِيأَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ) «إنّما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي
الجمار لإقامة ذكر الله» «إنّما فرضت الصلاة وأمر بالحج والطواف واشعرت المناسک لاقامة ذكر الله».
فالمقصود من مناسک الحجّ ذكر الله سبحانه على كلّ حال وفي جميع الأحوال (أَن تَقُومُوا للهِِ مَثْنَى وَفُرَادَى ) .
«فعند ما مررت بالمشعر الحرام نويت أنک اشعرت قلبک أشعار أهل التقوى والخوف لله عزّوجلّ »